الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
وأخرج ابن جرير عن الحسن في هذه الآية أنه قال: هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة فسطحها وبطحها فصارت قطعًا متجاورة فينزل عليها الماء من السماء فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها وتخرج نباتها وتخرج هذه سبخها وملحها وخبثها وكلتاههما تسقى اء واحد فلو كان الماء ملحًا قيل إنما استبسخت هذه من قبل الماء، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل عليهم من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع وتخضع، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو، ثم قال: والله ما جالس القرآن أحد الاقام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله تعالى: {وَنُنَزّلُ مِنَ القرءان مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَارًا} [الإسراء: 82] اه قال أبو حيان وهو شبيه بكلام الصوفية.{وَإِن تَعْجَبْ} أي إن يقع منك عجب يا محمد {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} بعد مشاهدة الآيات الدالة على عظيم قدرته تعالى أي فليكن عجبك من قولهم: {أَءذَا كُنَّا تُرَابًا} إلى آخره فإنه الذي ينبغى أن يتعجب منه، ورفع {عجب} على أنه خبر مقدم و{فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} مبتدأ مؤخر، وقدم الخبر للقصر والتسجيل من أول الأمر بكون قولهم أمرًا عجيبًا، وفي البحر أنه لابد من تقدير صفة لعجب لأنه لا يتمكن المعنى طلق فيقدر والله تعالى أعلم فعجب أي عجب أو فعجب غريب، وإذا قدرناه موصوفًا جاز أن يعرب مبتدأ للمسوغ وهو الوصف ولا يضركون الخبر معرفة، وذلك كاما قال سيبويه في كم مالك إن كم مبتدأ لوجود المسوغ فيه وهو الاستفهام، وفي نحو اقصد رجلًا خير منه أبوه إن خير مبتدأ للمسوغ أيضًا وهو العمل، ونقل أبو البقاء القول بأن {عجب} عنى معجب ثم قال: فعلى هذا يجوز أن يرتفع {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} به.وتعقب بأنه لا يجوز ذلك لأنه لا يلزم من كون شيء عنى شيء أن يكون حكمه في العمل حكمه فمعجب يعمل و{عجب} لا يعمل، ألا ترى أن فعلا كذبح وفعلة كقبض وفعلة كغرفة عنى مفعول ولا يعمل عمله فلا تقول مررت برجل ذبح كبشه أو قبض ماله أو غرفة ماؤه، عنى مذبوح كبشه ومقبوض ما له ومغروف ماؤه وقد نصوا على أن هذه تنوب في الدلالة لا العمل عن المفعول، وحصر النحويون ما يرفع الفاعل في أشياء ولم يعدوا المصدر إذا كان عنى اسم الفاعل منها.والظاهر أن {أَن كُنَّا} إلى آخره في محل نصب مقول لقول محكى به، والاستفهام إنكاري مفيد لكمال الاستبعاد والاستنكار، وجوز أن يكون في محل رفع على البدلية من {قَوْلُهُمْ} على أنه عنى المقول وهو على ما قال أبو حيان: أعراب متكلف وعدول عن الظاهر، وعليه فالعجب تكلمهم بذلك وعلى الأول كلامهم ذلك، والعامل في {إِذَا} ما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهو نبعث أو نعاد، والجديد ضد الخلق والبالي، ويقال: ثوب جديد أي كما فرغ من عمله وهو فعيل عنى مفعول كأنه قطع من نسجه، وتقديم الظرف لتقوية الإنكار بالبعص بتوجيهه إليه في حالة منافية له، وتكرير الهمزة في {أئنا} لتأكيد الإنكار، وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في الخلق الجديد بالفخل عند كونهم ترابًا بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له، وفيه من الدلالة على عتوهم وتماديهم في النكير ما لا يخفى. قال أبو البقاء: ولا يجوز أن تنتصب {قَبْلِكُمْ إِذَا} بكنا لأنها مضافة إليها ولا بجديد لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها وكذا الاستفهام. ورد الأول في المغنى بأن {إِذَا} عند من يقول بأن العامل فيها شرطها وهو المشهور غير مضافة كما يقوله الجميع إذا جزمت كما في قوله: قيل: فالوجه في رد ذلك أن عمله فيها موقوف على تعيين مدلولها وتعيينه ليس إلا بشرطها فيدور، ونظر فيه الشهاب بأنها عندهم نزلة متى وأيان غير معينة بل مبهمة كما ذكره القائلون به وبه صرح في المغنى أيضًا.وقيل: معنى الآية إن تعجب يا محمد من قولهم في إنكار البعث فقولهم عجيب حقيقق أن يتعجب منه.وتعقبه في البحر بأنه ليس مدلول اللفظ لأنه جعل فيه متعلق عجبه صلى الله عليه وسلم هو قولهم في إنكار البعث وجواب الشرط هو ذلك القول فيتحد الشرط والجزاء إذا تقديره إن تعجب من إنكارهم البعث فأعجب من قولهم في إنكار البعث وهو غير صحيح. ورد بأن ذلك مما اتحد فيه الشرط والجزاء صورة وتغايرًا حقيقة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «من كانت هجرته إلى الله تعالى ورسوله فهجرته إلى الله تعالى ورسوله» وقولهم: من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى وهو أبلغ في الكلام لأن معناه أنه أمر لا يكتنه كنهه ولا تدرك حقيقته وأنه أمر عظيم.وذهب بعض إلى أن الخطاب في {ءانٍ تَعْجَبْ} عام، والمعنى إن تعجب يا من نظر ما في هذه الآيات وعلم قدرة من هذه أفعاله فازدد تعجبًا ممن ينكر مع هذا قدرته على البعث وهو أهون شيء عليه، وقيل: المعنى إن تجدد منك التعجب لإنكارهم البعث فاستمر عليه فإن إنكارهم ذلك من الأعاجيب، وقيل: المراد إن كنت تريد أيها المريد عجبًا فهلم فإن من أعجب العجب إنكارهم البعث، واختلف القراء في الاستفهامين إذا اجتمعا في أحد عشر موضعًا هذا. وفي المؤمنين. والعنكبوت. والنمل. والسجدة والواقعة. والنازعات. وبني إسرائيل في موضعين وكذا في الصافات، فقرأ نافع. والكسائي بجعل الأول استفهامًا والثاني خبرًا إلا في العنكبوت والنمل فعكس نافع وجمع الكسائي بين الاستفهامين في العنكبوت وأما في النمل فعلى أصله إلا أنه زاد نونًا.وقرأ ابن عامر بجعل الأول خبرًا والثاني استفهامًا إلا في النمل والنازعات فعكس وزاد في النمل نونًا كالكسائي وإلا في الواقعة فقرأ باستفهامين وهي قراءة باقي السبعة في هذا الباب إلا ابن كثير وحفصًا فإنهما قرآ في العنكبوت بالخبر في الأول والاستفهام في الثاني وهم على أصولهم في اجتماع الهمزتين من تخفيف وتحقيق وفصل بين الهمزتين {أولئك} مبتدأ والموصول خبره أي أولئك المنكرون للبعث ريثما عاينوا من آيات ربهم الكبرى ما يرشدهم إلى الإيمان لو كانوا يبصرون {الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ} وتمادوا في ذلك فإن إنكار قدرته عز وجل إنكار له سبحانه لأن الإله لا يكون عاجزًا مع ما في ذلك من تكذيبه جل شأنه وتكذيب رساله المتفقون عليه عليهم السلام {وَأُوْلئِكَ} مبتدأ خبره جملة قوله تعالى: {الاغلال فِي أعناقهم} وفيه احتمالان: الأول أن يكون المراد وصفهم بذلك في الدنيا فهو تشبيه وتمثيل لحالهم في امتناعهم عن الإيمان وعدم الالتفات إلى الحق بحال طائفة في أعناقهم أغلال وقيود لا يمكنهم الالتفات معها كقوله: كأنه قيل: أولئك مقيدون بقيود الضلالة لا يرجى خلاصهم. الثاني أن يكون المراد وصفهم به في الآخرة والكلام إما باق على حقيقته كما قال سبحانه: {إِذِ الاغلال فِي أعناقهم والسلاسل} [غافر: 71] وروي ذلك عن الحسن قال: إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب سبحانه ولكنما جعلت في أعناقهم لكي إذا طغا بهم اللهب أرستهم في النار، وأما مخرج مخرج التشبيه لحالهم بحال من يقدم للسياسة. وقيل: المراد من الإغلال أعمالهم الفاسدة التي تقلدوها كالأغلال، وهو جار على احتمال أن يكون ذلك في الدنيا أو في الآخرة والأول ناظر إلى ما قبل والثاني إلى قوله تعالى: {وَأُوْلئِكَ} أي الموصوفون بما ذكر {أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لا ينفكون عنها، قيل: وتوسيط الفصل ليس لتخصيص الخلود نكري البعص خاصة بل بالجميع المدلول عليه بقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ}.وأورد على ذلك أن {هُمْ} ليس ضمير فصل لأن شرطه أن يقع بين مبتدأ وخبر يكون اسمًا معرفة أو مثل المعرفة في أنه لا يقبل حرف التعريف كأفعل التفضيل وهذا ليس كذلك، وأجيب بأن المراد بالفصل الضمير المنفصل وأنه أتى به وجعل الخبر جملة مع أن الأصل فيه الإفراد لقصد الحصر والتخصيص المذكور كما في هو عارف.وقال بعضهم: لعل القائل بما ذكر لا يتبع النحاة في الاشتراط المذكور كما أن الجرجاني والسهيلي جوزا ذلك إذا كان الخبر مضارعًا واسم الفاعل مثله.
|